على عزت بيغوفيتش
ناشط سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي. علي عزت بيغوفيتش (8 أغسطس, 1925م - 19 أكتوبر, 2003م) أول رئيس جمهورية للبوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب الرهيبة في البوسنة, تسلم رئاسة الجمهورية من 1990م إلى 1996م, ثم أصبح عضوا في مجلس الرئاسة البوسني من 1996م إلى 2000م
:النشأة
ولد في في مدينة بوسانا كروبا البوسنية لأسرة بوسنية عريقة في الإسلام . تعلم في مدارس مدينة سراييفو وتخرج في جامعتها في القانون، عمل مستشارا قانونيا خلال 25 سنة ثم اعتزل وتفرغ للبحث والكتابة
نشأ بيغوفيتش في وقت كانت البوسنة والهرسك جزءًا من مملكة تحكمها أسرة ليبرالية، ولم يكن التعليم الإسلامي جزءًا من المناهج الدراسية، وكان "علي عزت" - وهو لا يزال شابًا - واعيًا بأهمية أن يتعرف على دينه ويقرأ فيه قراءة مستفيضة، فاتفق هو وبعض زملائه في المدرسة أن ينشئوا ناديًا أو جمعية للمناقشات الدينية سموه "الشبان المسلمين"، والتي تطورت فيما بعد فلم تقتصر في نشاطها على الاجتماعات والنقاشات وإنما امتدت إلى أعمال اجتماعية وخيرية, وأنشأ بها قسم خاص بالفتيات المسلمات، واستطاعت هذه الجمعية - أثناء الحرب العالمية الثانية - أن تقدم خدمات فعالة في مجال إيواء اللاجئين ورعاية الأيتام والتخفيف من ويلات الحرب، وإلى جانب هذه الأنشطة تضمنت برامج الجماعة برنامجًا لبناء الشخصية.
حينما احتلت النازية الألمانية مملكة يوغوسلافيا وأحالتها جمهوريةً فاشية، قاطعت جمعيةُ "الشبان المسلمين" النظامَ الفاشي. وضايق هذا الفعل النظام، فحرمها من الشرعية القانونية
:بيغوفيتش سياسيا
تيتو والقومية الصربية: فى العهد الشيوعى كانت السجون تستقبل سجناء الرأى والمعارضين حتى امتلأت وبدأت تبنى سجون جديدة ، وزادت اوضاع المسلمين سوءا حيث تصاعد البطش والقهر على يد الكسندر رانكوفيتش قائد الشرطة وساعد تيتو الايمن ، حتى عزلة تيتو من منصبة سنة 1966، ولكن بدون تحسن ملحوظ لمدة تسعة سنوات اخرى ، وكان تيتو قد عدل كثيرا من سياسته الداخلية والخارجية واستقرت صورتة فى العالم كقائد لحركة عدم الانحياز مع نهرو وعبد الناصر ، وانفتح كثيرا على العالمين العربى والاسلامى ، وفى سنة 1975 تبلورت التحسينات الدستورية والاجراءات القانونية وبدأ الناس يتنفسون شيئا من الحرية ، ولكن لم تستمر الامور فى سيرها على هذا الطريق اكثر من خمس سنوات عندما توفى تيتو سنة 1980م. فبعد موت تيتو بدأ عهد اخر جديد فى يوغسلافيا, ظلت فية الهياكل السياسية والاقتصادية تتخذ نفس الاسماء الاشتراكية القديمة ولكن عوامل التآكل والتحلل كانت ماضية فيها بلا هوادة بسبب مرض يوغسلافى قديم هو القومية الصربية الكامنة فى هذا النظام . كان تيتو بشخصيتة الكارزمية وبقوة نظامه وثاقب نظره قادرا على كبح جماح القومية الصربية ، لقد سمح للصرب بكثير من الامتيازات والهيمنة – ضمن حدود مرسومة – على الجيش والسلطة والادارة فى يوغسلافيا ، وبقيت دائما الخيوط بين اصابعة يجذب بعضها متى شاء ويرخى بعضها عندما يريد ، لاحداث ذلك التوازن الدقيق فى القوى المتنافرة التى تشكل دولة يوغسلافيا ، وكان يعلم ان القومية الصربية اذا انطلقت من عقالها فسوف تهدم على رأس الجميع هذا النظام الذى صنعه وحافظ على استمراره طوال حياته
فلما مات تيتو انكشف الغطاء فجأة عن غول القومية الصربية ، وشرع القوميين الصرب يسقطون اقنعتهم الاشتراكية ويتهيئون لاستلام الميراث اليوغسلافى الكبير ، وكان اول ضخايا هذا الغول هو تيتو نفسه ونظامه الذى اقامه. فى عقد الثمانينات انهالت على تيتو الاتهامات واعتبرت انجازات حياته كلها اخطاء فاحشة, ومن هذه الاخطاء التى لا تغفر صداقته للدول العربية والاسلامية فهذه – فى نظر القوميين الصرب – بلاد متخلفة معادية للتقدم، وكذلك انشاء معهد للدراسات الاسلامية فى سراييفو ، كل هذه كانت موضع هجمات شرسة من جانب الكتاب الصرب من القوميين المتطرفين الذين ابدوا عداءا سافرا للاسلام والمسلمين وللكروات الكاثوليكية ايضا، وتأكدت النزعة العنصرية الاستئصالية فى اول جولة من حرب خاطفة ضد كرواتيا حيث دمرت القوات الصربية مدينة دبروفنك الاثرية، وعندما وقفت المانيا ومن ورائها اوربا وقفة حازمة, توقف العدوان الصربى واتجه الى البوسنة ثم كوسوفا حيث جرت فيها انهار الدم، فيما عرف باسم التطهير العرقى
بيغوفيتش والكفاح الدامي: بعد تصدّع الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية، وفي الاتحاد السوفيتي عام 1990م وعدم قدرة تلك الأنظمة على كبح جماح الشعوب بعد عشرات السنين من القمع والاستبداد، اضطر الحزب الشيوعي اليوغسلافي إلى السماح بالتعددية السياسية، فاستغل بيغوفيتش هذه الفرصة، وبادر إلى تأسيس حزب العمل الديمقراطي، وشارك في الانتخابات الرئاسية، وفاز فيها، وصار رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك، في نوفمبر 1990
وأجرى استفتاء شعبياً على الاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي، كما استقلت كرواتيا وسلوفينيا، وصوّت الشعب المسلم على الاستقلال بأكثرية 63%، الأمر الذي جعل الصرب ينقضون على البوسنة، في حرب عرقية دينية دموية، وحرب إبادة شاملة، وتطوع آلاف من نصارى أوربا للقتال في صفوف الصرب، ووقعت الدولة البوسنية الوليدة بين فكي كماشة، فالصرب من جهة، والكروات من جهة ثانية
جرى هذا على مرأى ومسمع من الأوربيين والأمريكان، وعلى مرأى ومسمع من الأمم المتحدة - التي كانت اعترفت بجمهورية البوسنة والهرسك، بحيث غدت هذه الجمهورية عضواً في هيئة الأمم المتحدة - ، وعلى مرأى ومسمع من العالم الاسلامى ايضا.. ولم يتحرك المجتمع الدولي الذي سبق له أن اعترف بهذه الدولة، ولا تحركت أمريكا، وتركوا الصرب والكروات، والعصابات الصربية الإرهابية، ومن انضمّ إليها من نصارى أوربا، يفتكون بالمسلمين، ويرتكبون المجازر الجماعية التي لم تُكتشف كل مقابرها الجماعية بعد، وكان على شعب البوسنة والهرسك، أن يختار بين الانضمام إلى الكروات أو الصرب، الخصمين اللدودين اللذين لا يجتمعان إلا على حرب المسلمين. وكان الرئيس الواعى بيغوفيتش - صاحب العين البصيرة، والفكر العميق، والنظرة البعيدة، واليد القصيرة - يسعى ويفكر في الطريقة التي تجنّب شعبه ما يمكن من الخسائر، فكان يتحرك هنا وهناك، ويعرض مقترحاته وأفكاره، ويضطر للتراجع أمام التواطؤ الغربي الأمريكي الذي لم يتحرك إلا عندما رأوا الصمود الأسطوري لذلك الشعب المسلم الذي بدت كفّته القتالية ترجح على الصرب
من أجل إنقاذ شعبه، تقدّم الرئيس بيغوفيتش بحل وسط إلى قمة رؤساء الجمهورية في 1991 يتمثل في إقامة (فيدرالية متناسقة). كان هذا المشروع كفيلاً بإنقاذ يوغسلافيا من التمزق والانهيار، ومن الحرب الأهلية بين الجمهوريات والأعراق، لذلك حظي هذا المشروع بدعم الجماعة الأوربية، ولكن الصرب والكروات وسلوفينيا عارضوا المشروع، وكانت المحنة الرهيبة التي خلّفت ثلاث مئة وخمسين ألف شهيد، وحوالي مئة ألف عرض منتهك.. ومساجد كثيرة دُمّرت
المقاومة المسلحة: انشأ بيجوفيتش جيشا من لا شئ ونظرا للحصار الدولى الذى حظر التسليح على البوسنة على سبيل المؤامرة ونظرا لفشل جهودة الدولية فى ابطال هذا الحظر الظالم ذهب يتسوق قطع السلاح من كل مكان حتى من ايدى الجنود الصرب انفسهم كانت ولادة الجيش ولادة متعثرة ، وكانت سنوات عمرة الاولى فى مواجهة جيش نظامى مدجج بالسلاح والعتاد لا يفتقر الى الامدادات والذخائر ، فمصانع السلاح والذخيرة اليوغسلافية لم تتوقف ، كانت سنواتة الاولى طفولة ضعيفة ، جرت فيها سلسلة من الحولدث المأساوية لشعب البوسنة ، ولكن هذا الجيش نفسه نما بخطوات سريعة واستوعب التدريب فى ازمنة قياسية ورغم انه لم يكن يملك الدبابات ولا المدافع الثقيلة الا انه تمكن فى مرحلة من مراحل الحرب من تحديد مئات الدبابات الصربية وتثبيت خطوط المواجهة على سعتها وانتشارها ، وعبر سنوات الكوارث الاولى حتى صيف 1994، فإذا به يبدأ فى تحديد اراضى البوسنة ويحقق انتصارات على القوات الصربية وبدأ الجنود الصرب يفرون من المعارك ويتجنبون الالتحام مع القوات البشناقية المستميتة فى القتال، كذلك استطاع عزت بيجوفيتش ان يقنع قوات كروات البوسنة بالتحالف مع القوات البشناقية فى حصار مدينة ( بنيالوكا) مقر قيادة القوات الصربية فلما اصبحت المدينة قاب قوسين او ادنى من التسليم تدخلت القوات الدولية لوقف اطلاق النار واقنع الاوربيون والامريكيون (فرانيو توجمان) رئيس جمهورية كرواتيا بالتدخل لسحب القوات الكرواتية من الحصار فى مقابل مساعدات سياسية واقتصادية لوحوا بها إليه
كان سقوط بنيالوكا فى ايدى البشناق سيعزز قدرات بيجوفيتش التفاوضية ويمنحة الفرصة لاحباط المخطط الصربى لتمزيق البوسنة ولكن الدول الاوروبية بالذات لم تكن لتقبل ان يفاوض المسلمين فى موقع القوة بل تريد لهم تسوية ذليلة مجحفة يقبل فيها البشناق بما تمنحة لهم لا ما ينتزعونه هم بقدرتهم ونضالهم
وثيقة الامم المتحدة (27 مايو 1994) التى صدرت بناءا على التقرير النهائى للجنة الخبراء المشكلة بقرار مجلس الامن للتحقيق فى اعمال العنف التى جرت فى البوسنة ورصد مايدخل منها فى مفهوم جرائم الحرب والانتهاكات ضد الانسانية والذى اثبت ان الجرائم التى ارتكبها الصرب ضد البوسنة المسلمين لم تكن كما زعم قادة الصرب مجرد انتهاكات قام بها بعض افراد منحرفين، وانما كانت جرائم بتدبير مسبق وفق خطط رسمها خبراء من اعلى مستوى فى الخبرة ، وتم تنفيذها باسلوب منظم
بناء على هذا التقرير تم تسليم "سلوبودان ميلوسفيتش" الرئيس الصربى السابق الى محكمة جرائم الحرب
تجلت فى هذه الحرب زعامة عزت بيجوفيتش والدور الخارق الذى قام به فى كبح زمام الجنون وضبط المشاعر الثائرة والرغبة فى الانتقام ، فى اطار القيم الاسلامية ليس بالوعظ والارشاد ولكن بالقدوة التى تمثلها فى شخصه وسلوكه وبالتربية التى وجهها الى ضباط جيشة وبالتنظيم الذى فرضه على القوات المسلحة
انشأ عزت بيجوفيتش الاكاديمية العسكرية فى سراييفوا لتخريج قيادات ميدانية على مستوى رفيع ، لم تقتصر مناهجها على الدراسات العسكرية والتدريب، وانما اشتملت على برامج تربوية دينية واخلاقية ، وكان بيجوفيتش رغم همومه وعظم مسئولياته ومشاغله حريصا على ان يحاضر فى الاكاديمية موضحا لضباطة خطورة مسئوليتهم ، وضرورة التمييز بين المدنيين والابرياء من صرب البوسنة وان لا يؤخذ الابرياء بذنوب المجرمين ، وكان يؤكد لهم ان يتصرفوا دائما باعتبارهم جيش الشعب كله؛ مسلمين وارثوذكس وكاثوليك بلا استثناء ولا تفرقة ، كانت نصيحتة المتكررة لضباطه ان لا يقتلوا مدنيا او يمثلوا بجثة او يجهزوا على اسير مجروح وان لا يمارسوا العقوبات الجماعية وان لا يحرقوا البيوت او الزرع كما يفعل الصرب ، وان لا يقتلوا الحيوانات ولا يروعوا راهبا فى ديره ولا امراة فى بيتها. ولم يتوقف جهد عزت بيجوفيتش عند حدود النصيحة لكنه وضع نظاما للمتابعة ومحاسبة افراد القوات المسلحة على اى انتهاكات تصدر منهم. لذلك كلة لم يكن مستغربا ان تظل ايدى البوشناق نظيفة لم تلوثها دماء الابرياء طوال فترة الحرب التى اقتربت من اربعة اعوام . كان الصرب يدكون المساجد ويهدمونها على المصلين فى الوقت الذى كان هناك جنود من المسلمين يحرسون الكنائس فلم يصبها اذى
تدخل الولايات المتحدة: كانت الولايات التحدة – منذ بداية الصراع اليوغسلافى – تحاول ان تنأى بنفسها عن التدخل ، بحجة انه شأن اوروبى وعلى اوروبا ان تجد له حلا ، ولكنها تحققت مع الوقت – ان اوروبا لم تكن مؤهلة للقيام بهذا الدور بل اسهمت بتعاقسها احيانا وبتواطئها مع العدوان الصربى احيانا اخرى فى تردى الاوضاع فى فى البوسنة وفى استمرار المذابح فى مشهد يومى فاضح امام العالم لاكثر من ثلاث سنوات ، لذلك لم تجد الولايات المتحدة مفرا من التدخل وأخذ زمام المبادرة فى يدها ، وتولى(ريتشارد هولبروك) مهمة التقريب بين وجهات النظر، بعد ان اظهر حلف الاطلنطى جديته فى ضرب القوات الصربية واجبارها على فك الحصار عن سراييفو.. وتمخضت اتفاقية دايتون للسلام عن مولد هلامى المعالم يحفظ من الناحية النظرية وحدة اراضى البوسنة ، ولكنه يجمع ثلاث كيانات: جمهورية صرب البوسنة وفيدرالية تجمع البوشناق والكروات ومجلس رئاسة يضم الثلاثة . ومن الناحية العملية حصل صرب البوسنة على 49% من اراضى البوسنة وبقى للفيدرالية 51% من هذه الاراضى
لم يكن بيجوفيتش سعيدا بهذه النتيجة المجحفة ولكنة على الاقل توصل الى امرين بالغى الاهمية : وقف حمام الدم النازف الذى يتعرض لة شعبه ، والحفاظ على وحدة اراضى البوسنة ، ورأى ان امكانيات شعبة وظروف اللحظة الراهنة يمكن ان تتغير فى المستقبل القريب بحيث تلتئم اشلاء البوسنة وتعود الى سابق وحدتها التاريخية دولة ديموقراطية متعددة الاديان والقوميات . وبعد توقيع اتفاقية دايتون وقف كل من الرئيسين ميلوسفيتش وتوجمان فشكرا كلينتون فى سعادة ظاهرة امام عدسات التلفاز اما بيجوفيتش فلم يشكر احدا ولكنه وجه خطابه مباشرة الى شعب البوسنة فقال: "لم يكن الاتفاق عادلا بالنسبة للبوسنة ولكن الله يشهد اننا بذلنا كل ما فى وسعنا من جهد للوصول الى تسوية عادلة ". هذا الشعور بالمرارة صبغ حديث ميجوفيتش كلما سئل عن رأيه فى اتفاقية دايتون . ووصف هذاى الموقف بانة (المذاق المر للسلام). اما فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية ، فقد تبين ان امريكا واوروبا قد نشطت بقوة فى تنفيذ الشق العسكرى والامنى لضمان وقف الحرب وتأمين وجود قوات حلف شمال الاطلنطى والادارة الاجنبية على ارض البوسنة ، اما الشق المدنى من الاتفاقية الذى يشتمل على اعادة اعمار البوسنة واعادة اللاجئين الى ديارهم والقبض على مجرمى الحرب وتقديمهم الى المحاكمة فى لاهاى فلم يتحقق منة شئ يذكر, فلقد كانت الاشارات تصل بيجوفيتش واضحة بأنه طالما بقى فى قيادة شعب البوسنة فلن يكون هناك اعمار ولا عودة للاجئين المسلمين الى ديارهم لذلك آثر الرجل مصالح بلاده وضحى بالسلطة وحمد الله انة تخفف من مسؤولية ارهقته وتركت بصماتها قاسية على قلبه وصحته وحياته
:بيغوفيتش فكريا
بيجوفيتش طراز نادر فريد من البشر .. ونموذج حى لاستثمار الوقت واستثمار القدرات و المواهب التى أودعها الله فيه .. فهو لم يتوقف لحظة من حياته دون عمل نافع حتى وهو فى السجن يقضى عقوبة عن جرائم لم يرتكبها ( سوى أنه فيلسوف ومفكر إسلامى مناضل عنيد) ففى السجن كتب أحد أبدع أعماله بعنوان: (فرار إلى الحرية) سطّرها فى بضعة آلاف من الصفحات .. أودع فيها أعمق تأملاتة فى الحياة والفن والفلسفة والدين والسياسة والأخلاق .. وأعاد النظر فى قراءاته السابقة ، وتقييمه للشخصيات والمواقف التى مرت به فى حياته ... وقد كان بيغوفيتش صاحب اجتهادات مهمة فى تفسير ظاهرة الإنسان فى كل تركيبيتها. وهذه التركيبية، المرتبطة تمام الارتباط بثنائية الإنسان والطبيعة، هى نقطة انطلاقه والركيزة الأساسية لنظامه الفلسفى. تجدر الاشارة إلى أنه ليس "مجتهدًا" وحسب، وإنما هو "مجاهد" أيضًا، فهو مفكر ورئيس دولة، يحلل الحضارة الغربية ويبيَّن النموذج المعرفى المادى العدمى الكامن فى علومها وفى نموذجها المهيمن، ثم يتصدى لها ويقاوم محاولتها إبادة شعبه. ولكنه فى ذات الوقت يستفيد من اجتهادات المفكرين الغربيين المدافعين عن الإنسان، ولعل إيمانه بالإنسان (الذى ينبع من إيمانه بالله وإدراكه لثنائية الطبيعة البشرية) هو الذى شد من أزره إلى أن كتب الله له ولشعبه النجاة، وهو الذى مكنه من أن يلعب هذا الدور المزدوج... دور المجاهد والمجتهد، ودور الفارس والراهب
وفى لقاء مع مندوب صحيفة (تشيرن) الألمانية فى 5 نوفمبر 1994 سأله الصحفى: "السيد الرئيس أنت معروف كمسلم حريص على التقاليد الأوربية والتسامح الأوربى .. والمنفتح على العالم بأسره .. ولكن هناك تقارير فى الصحافة الأوربية تقول إن هناك الآن أسلمة جارية فى البوسنة والهرسك ... فهل هذه مجرد شائعات.. ؟ .. يجيب بيجوفيتش: سوف أكون معك شديد الصراحة وأقول لك: لا ليست هذه شائعات بل حقيقة .. فالعودة إلى الدين أصبحت ظاهرة عالمية فى كل مكان تمكّن الشيوعيين فيه من قمع الدين، على مدى خمسين إلى سبعين سنة ماضية .. نعم هناك أسلمة فى البوسنة كما تسميها .. وهى صحوة إسلامية ولكن هناك فى البوسنة بنفس القدر صحوة أرثوذكسية وصحوة كاثوليكية .. والفرق أن عودة المسيحيين الى دينهم لم تلفت نظر أوروبا المسيحية .. وهذا أمر أفهمه ولا ألومها عليه .. ولكننى أود فقط أن اصحّحك فى نقطة واحدة وهى أن تسامحى الذى تتحدث عنه ليس مرده إلى كونى أوروبى وإنما مصدره الأصيل هو الإسلام .. فإذا كنتُ متسامحا حقا كما تقول فذلك لأننى أولا وقبل كل شئ مسلم ثم بعد ذلك أوروبي .. وينتهي علي عزت إلى نظرية بالغة الأهمية حيث يرى أن جميع نجاحاتنا وإخفاقاتنا في الأخلاق والسياسة إنما هي مجرد انعكاس لفهمنا للإسلام وللكيفية التي طبقناه بها في الحياة: "لقد كان ضعف تأثير الإسلام في الحياة العملية للمسلمين مصحوباً دائماً بانحطاطهم وانحطاط مؤسساتهم السياسية والاجتماعية .. وتاريخ الإسلام كله منذ بدايته إلى يومنا هذا يؤكد هذا التطابق .. كأن هذا التطابق هو المصير الذي لا مناص منه للشعوب المسلمة .. وأحد قوانين التاريخ الإسلامي نفسه
يؤكد علي عزت أن القرآن "هو الفكرة المركزية في الأيديولوجية الإسلامية والممارسة الإسلامية" ويرى أن إشكالية القرآن في المجتمعات المسلمة ترجع إلى أن هذه المجتمعات تتعلق به تعلقاً عاطفياً ولكنها لا تستطيع تطبيقه في حياتها .. وهنا يكمن الفصام بين الكلمة والفعل في العالم المسلم .. وينسب ظواهر الفساد والانحراف والسطحية والتنطع والتخلف جميعاً إلى هذا التناقض الأساسي بين حماسنا المشتعل تجاه القرآن وبين الإهمال الكامل لمبادئه في الممارسة العملية
يرى علي عزت ان النظام الاسلامى يقوم على ثلاثة عناصر لا يمكن الاستغناء عنها وهي: الاستقلال والحرية والديمقراطية .. والاستقلال الحقيقي -عنده– هو استقلال روحي وفكري، وعلامة على أن شعباً قد وجد هويته واكتشف قوته الذاتية. وينبه علي عزت إلى حقيقة هامة وهي أنه كلما ابتعد نظام ما عن الإسلام كلما قل دعم الشعب له، ومن ثم يجد النظام نفسه مضطراً للبحث عن دعم خارجي .. فالتبعية التي تغرق فيها هذه النظم ليست إلا نتيجة مباشرة لتوجهاتها المعادية للإسلام .. وتتفاقم الأمور عندما تشعر هذه النظم بالمقاومة والعداء من جانب الشعب، فتلجأ إلى العنف لتمرير سياستها بالقوة. وفي مجال الوحدة الإسلامية يؤكد علي عزت أن الإسلام بطبيعته وروحه أقدر على توحيد الدولة الإسلامية برباط أقوى من روابط المصلحة التي توحّد الدول الأوروبية، فالإسلام لا يقيم الوحدة بين المسلمين على المصالح فقط (هو لا ينكر المصالح) ولكنه يجمع إليها عوامل الوحدة الروحية والمبادئ الأخلاقية والرسالة الإنسانية في إقامة العدل بين البشر .. وتلك هي مهمة (الأمة الإسلامية)، وليس معنى ذلك بالضرورة "الدولة الإسلامية العالمية الواحدة".
:حـول الطاعة و التربية
علّق بيغوفيتش على مقال كتبه صديق له عن تربية الشباب تربية اسلامية وقد لاحظ أن أكثر الكلمات تردداً في هذا المقال هي كلمة "الطاعة" فقال: "أدركت وأنا أقرأ هذا المقال معنى ذلك القول المأثور: ان الطريق إلى جهنم ممهد بالنوايا الحسنة .. كما أدركت جانباً من أسباب تخلّفنا وانحطاطنا في القرون الأخيرة وهو التربية الخاطئة للنشىء .. والحقيقة أننا نربي شبابنا تربية خاطئة منذ قرون وكان هذا ناتجاً من عدم فهمنا للفكر الإسلامي الصحيح..، ففي الوقت الذي كان فيه أعداء الإسلام المستعمرون يبتلعون الدول الإسلامية واحدة بعد الأخرى مدعّمين بعلومهم وغطرستهم واستهتارهم بنا .. كنا نربي أجيالنا على الطاعة العمياء لوليّ الأمر لأن كل سلطة إنما هي قدر من عند الله لا حيلة لنا فيها ولا خيار ..! هكذا شاع عند كثرة من المسلمين (فى عصور الضعف والتخلّف) فهم الآية الكريمة: (قل اللهم مالك الملك تؤتى المُلك من تشاء وتنزع المُلك ممن تشاء) وكأن الأمر الواقع مهما كان ظالما مجحفا فهو قدر إلهي لا ينبغى ان يتصدى له مسلم لتغييره ..!! وكأن الله [حاشاه] يرضى بالظلم والقهر لعباده ..! وكأنه يبارك عمل الخطّافين والسراق وقطاع الطرق الذين إستولوا على السلطة رغم إرادة الناس أو بتزوير إرادتهم .. !! ثم يُقال للناس هذه إرادة الله وقدره .. إن هذه الآية الكريمة العظيمة مثل آيات كثيرة فى القرآن لا تُفهم منعزلة عن بقية النصوص القرآنية الأخرى التى تتناول نفس الموضوع .. وإلا بدا القرآن للناظر إليه (نظرة سطحية) نثارًا ينقض بعضه بعضا .. المشكلة إذن فى طريقة فهمنا لايات القرآن وليس فى القرآن نفسه .. فالذين فهموا الآية على النحو الذى أسلفنا لن يستطيعوا فهم آيات أخرى تدعو إلى الجهاد لدفع الظلم ومحاربة الشرور والمظالم ونشر العدل بين الناس .. هذا الفهم الخاطئ يؤدّى إلى إسقاط حق المسلمين فى الشّورى المُلزمة للحاكم .. وحقّهم فى إختياره أصلاً وفى تنحيته عن السلطة إذا أساء إستخدامها وأفسد حياة الناس وتنكّر لحقوقهم
يتابع على عزت كلامه فيقول : لا أعرف بالضبط مصدر هذه الفلسفة التعيسة للطاعة ، ولكني أعرف على وجه اليقين أن الإسلام ليس مصدرها
:وفاته
لقد لقي ربه يوم ١٩ أكتوبر ٢٠٠٣، عن عمر ناهز الثامنة والسبعين. وقد أعلن راديو البوسنة وفاته، ولم يتمكن مسلمو البوسنة من إعلان الحداد الرسمي عليه، فقد اعترض على ذلك ممثل الصرب في الرئاسة الجماعية، لأن الصرب الحاقدين يعدون الرئيس علي عزت عدوّهم اللدود الذي وقف بدهاء وجرأة وذكاء في وجه أطماعهم في ابتلاع البوسنة والهرسك، من أجل إقامة إمبراطورية صربية طالما حلموا بها
:النشأة
ولد في في مدينة بوسانا كروبا البوسنية لأسرة بوسنية عريقة في الإسلام . تعلم في مدارس مدينة سراييفو وتخرج في جامعتها في القانون، عمل مستشارا قانونيا خلال 25 سنة ثم اعتزل وتفرغ للبحث والكتابة
نشأ بيغوفيتش في وقت كانت البوسنة والهرسك جزءًا من مملكة تحكمها أسرة ليبرالية، ولم يكن التعليم الإسلامي جزءًا من المناهج الدراسية، وكان "علي عزت" - وهو لا يزال شابًا - واعيًا بأهمية أن يتعرف على دينه ويقرأ فيه قراءة مستفيضة، فاتفق هو وبعض زملائه في المدرسة أن ينشئوا ناديًا أو جمعية للمناقشات الدينية سموه "الشبان المسلمين"، والتي تطورت فيما بعد فلم تقتصر في نشاطها على الاجتماعات والنقاشات وإنما امتدت إلى أعمال اجتماعية وخيرية, وأنشأ بها قسم خاص بالفتيات المسلمات، واستطاعت هذه الجمعية - أثناء الحرب العالمية الثانية - أن تقدم خدمات فعالة في مجال إيواء اللاجئين ورعاية الأيتام والتخفيف من ويلات الحرب، وإلى جانب هذه الأنشطة تضمنت برامج الجماعة برنامجًا لبناء الشخصية.
حينما احتلت النازية الألمانية مملكة يوغوسلافيا وأحالتها جمهوريةً فاشية، قاطعت جمعيةُ "الشبان المسلمين" النظامَ الفاشي. وضايق هذا الفعل النظام، فحرمها من الشرعية القانونية
:بيغوفيتش سياسيا
تيتو والقومية الصربية: فى العهد الشيوعى كانت السجون تستقبل سجناء الرأى والمعارضين حتى امتلأت وبدأت تبنى سجون جديدة ، وزادت اوضاع المسلمين سوءا حيث تصاعد البطش والقهر على يد الكسندر رانكوفيتش قائد الشرطة وساعد تيتو الايمن ، حتى عزلة تيتو من منصبة سنة 1966، ولكن بدون تحسن ملحوظ لمدة تسعة سنوات اخرى ، وكان تيتو قد عدل كثيرا من سياسته الداخلية والخارجية واستقرت صورتة فى العالم كقائد لحركة عدم الانحياز مع نهرو وعبد الناصر ، وانفتح كثيرا على العالمين العربى والاسلامى ، وفى سنة 1975 تبلورت التحسينات الدستورية والاجراءات القانونية وبدأ الناس يتنفسون شيئا من الحرية ، ولكن لم تستمر الامور فى سيرها على هذا الطريق اكثر من خمس سنوات عندما توفى تيتو سنة 1980م. فبعد موت تيتو بدأ عهد اخر جديد فى يوغسلافيا, ظلت فية الهياكل السياسية والاقتصادية تتخذ نفس الاسماء الاشتراكية القديمة ولكن عوامل التآكل والتحلل كانت ماضية فيها بلا هوادة بسبب مرض يوغسلافى قديم هو القومية الصربية الكامنة فى هذا النظام . كان تيتو بشخصيتة الكارزمية وبقوة نظامه وثاقب نظره قادرا على كبح جماح القومية الصربية ، لقد سمح للصرب بكثير من الامتيازات والهيمنة – ضمن حدود مرسومة – على الجيش والسلطة والادارة فى يوغسلافيا ، وبقيت دائما الخيوط بين اصابعة يجذب بعضها متى شاء ويرخى بعضها عندما يريد ، لاحداث ذلك التوازن الدقيق فى القوى المتنافرة التى تشكل دولة يوغسلافيا ، وكان يعلم ان القومية الصربية اذا انطلقت من عقالها فسوف تهدم على رأس الجميع هذا النظام الذى صنعه وحافظ على استمراره طوال حياته
فلما مات تيتو انكشف الغطاء فجأة عن غول القومية الصربية ، وشرع القوميين الصرب يسقطون اقنعتهم الاشتراكية ويتهيئون لاستلام الميراث اليوغسلافى الكبير ، وكان اول ضخايا هذا الغول هو تيتو نفسه ونظامه الذى اقامه. فى عقد الثمانينات انهالت على تيتو الاتهامات واعتبرت انجازات حياته كلها اخطاء فاحشة, ومن هذه الاخطاء التى لا تغفر صداقته للدول العربية والاسلامية فهذه – فى نظر القوميين الصرب – بلاد متخلفة معادية للتقدم، وكذلك انشاء معهد للدراسات الاسلامية فى سراييفو ، كل هذه كانت موضع هجمات شرسة من جانب الكتاب الصرب من القوميين المتطرفين الذين ابدوا عداءا سافرا للاسلام والمسلمين وللكروات الكاثوليكية ايضا، وتأكدت النزعة العنصرية الاستئصالية فى اول جولة من حرب خاطفة ضد كرواتيا حيث دمرت القوات الصربية مدينة دبروفنك الاثرية، وعندما وقفت المانيا ومن ورائها اوربا وقفة حازمة, توقف العدوان الصربى واتجه الى البوسنة ثم كوسوفا حيث جرت فيها انهار الدم، فيما عرف باسم التطهير العرقى
بيغوفيتش والكفاح الدامي: بعد تصدّع الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية، وفي الاتحاد السوفيتي عام 1990م وعدم قدرة تلك الأنظمة على كبح جماح الشعوب بعد عشرات السنين من القمع والاستبداد، اضطر الحزب الشيوعي اليوغسلافي إلى السماح بالتعددية السياسية، فاستغل بيغوفيتش هذه الفرصة، وبادر إلى تأسيس حزب العمل الديمقراطي، وشارك في الانتخابات الرئاسية، وفاز فيها، وصار رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك، في نوفمبر 1990
وأجرى استفتاء شعبياً على الاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي، كما استقلت كرواتيا وسلوفينيا، وصوّت الشعب المسلم على الاستقلال بأكثرية 63%، الأمر الذي جعل الصرب ينقضون على البوسنة، في حرب عرقية دينية دموية، وحرب إبادة شاملة، وتطوع آلاف من نصارى أوربا للقتال في صفوف الصرب، ووقعت الدولة البوسنية الوليدة بين فكي كماشة، فالصرب من جهة، والكروات من جهة ثانية
جرى هذا على مرأى ومسمع من الأوربيين والأمريكان، وعلى مرأى ومسمع من الأمم المتحدة - التي كانت اعترفت بجمهورية البوسنة والهرسك، بحيث غدت هذه الجمهورية عضواً في هيئة الأمم المتحدة - ، وعلى مرأى ومسمع من العالم الاسلامى ايضا.. ولم يتحرك المجتمع الدولي الذي سبق له أن اعترف بهذه الدولة، ولا تحركت أمريكا، وتركوا الصرب والكروات، والعصابات الصربية الإرهابية، ومن انضمّ إليها من نصارى أوربا، يفتكون بالمسلمين، ويرتكبون المجازر الجماعية التي لم تُكتشف كل مقابرها الجماعية بعد، وكان على شعب البوسنة والهرسك، أن يختار بين الانضمام إلى الكروات أو الصرب، الخصمين اللدودين اللذين لا يجتمعان إلا على حرب المسلمين. وكان الرئيس الواعى بيغوفيتش - صاحب العين البصيرة، والفكر العميق، والنظرة البعيدة، واليد القصيرة - يسعى ويفكر في الطريقة التي تجنّب شعبه ما يمكن من الخسائر، فكان يتحرك هنا وهناك، ويعرض مقترحاته وأفكاره، ويضطر للتراجع أمام التواطؤ الغربي الأمريكي الذي لم يتحرك إلا عندما رأوا الصمود الأسطوري لذلك الشعب المسلم الذي بدت كفّته القتالية ترجح على الصرب
من أجل إنقاذ شعبه، تقدّم الرئيس بيغوفيتش بحل وسط إلى قمة رؤساء الجمهورية في 1991 يتمثل في إقامة (فيدرالية متناسقة). كان هذا المشروع كفيلاً بإنقاذ يوغسلافيا من التمزق والانهيار، ومن الحرب الأهلية بين الجمهوريات والأعراق، لذلك حظي هذا المشروع بدعم الجماعة الأوربية، ولكن الصرب والكروات وسلوفينيا عارضوا المشروع، وكانت المحنة الرهيبة التي خلّفت ثلاث مئة وخمسين ألف شهيد، وحوالي مئة ألف عرض منتهك.. ومساجد كثيرة دُمّرت
المقاومة المسلحة: انشأ بيجوفيتش جيشا من لا شئ ونظرا للحصار الدولى الذى حظر التسليح على البوسنة على سبيل المؤامرة ونظرا لفشل جهودة الدولية فى ابطال هذا الحظر الظالم ذهب يتسوق قطع السلاح من كل مكان حتى من ايدى الجنود الصرب انفسهم كانت ولادة الجيش ولادة متعثرة ، وكانت سنوات عمرة الاولى فى مواجهة جيش نظامى مدجج بالسلاح والعتاد لا يفتقر الى الامدادات والذخائر ، فمصانع السلاح والذخيرة اليوغسلافية لم تتوقف ، كانت سنواتة الاولى طفولة ضعيفة ، جرت فيها سلسلة من الحولدث المأساوية لشعب البوسنة ، ولكن هذا الجيش نفسه نما بخطوات سريعة واستوعب التدريب فى ازمنة قياسية ورغم انه لم يكن يملك الدبابات ولا المدافع الثقيلة الا انه تمكن فى مرحلة من مراحل الحرب من تحديد مئات الدبابات الصربية وتثبيت خطوط المواجهة على سعتها وانتشارها ، وعبر سنوات الكوارث الاولى حتى صيف 1994، فإذا به يبدأ فى تحديد اراضى البوسنة ويحقق انتصارات على القوات الصربية وبدأ الجنود الصرب يفرون من المعارك ويتجنبون الالتحام مع القوات البشناقية المستميتة فى القتال، كذلك استطاع عزت بيجوفيتش ان يقنع قوات كروات البوسنة بالتحالف مع القوات البشناقية فى حصار مدينة ( بنيالوكا) مقر قيادة القوات الصربية فلما اصبحت المدينة قاب قوسين او ادنى من التسليم تدخلت القوات الدولية لوقف اطلاق النار واقنع الاوربيون والامريكيون (فرانيو توجمان) رئيس جمهورية كرواتيا بالتدخل لسحب القوات الكرواتية من الحصار فى مقابل مساعدات سياسية واقتصادية لوحوا بها إليه
كان سقوط بنيالوكا فى ايدى البشناق سيعزز قدرات بيجوفيتش التفاوضية ويمنحة الفرصة لاحباط المخطط الصربى لتمزيق البوسنة ولكن الدول الاوروبية بالذات لم تكن لتقبل ان يفاوض المسلمين فى موقع القوة بل تريد لهم تسوية ذليلة مجحفة يقبل فيها البشناق بما تمنحة لهم لا ما ينتزعونه هم بقدرتهم ونضالهم
وثيقة الامم المتحدة (27 مايو 1994) التى صدرت بناءا على التقرير النهائى للجنة الخبراء المشكلة بقرار مجلس الامن للتحقيق فى اعمال العنف التى جرت فى البوسنة ورصد مايدخل منها فى مفهوم جرائم الحرب والانتهاكات ضد الانسانية والذى اثبت ان الجرائم التى ارتكبها الصرب ضد البوسنة المسلمين لم تكن كما زعم قادة الصرب مجرد انتهاكات قام بها بعض افراد منحرفين، وانما كانت جرائم بتدبير مسبق وفق خطط رسمها خبراء من اعلى مستوى فى الخبرة ، وتم تنفيذها باسلوب منظم
بناء على هذا التقرير تم تسليم "سلوبودان ميلوسفيتش" الرئيس الصربى السابق الى محكمة جرائم الحرب
تجلت فى هذه الحرب زعامة عزت بيجوفيتش والدور الخارق الذى قام به فى كبح زمام الجنون وضبط المشاعر الثائرة والرغبة فى الانتقام ، فى اطار القيم الاسلامية ليس بالوعظ والارشاد ولكن بالقدوة التى تمثلها فى شخصه وسلوكه وبالتربية التى وجهها الى ضباط جيشة وبالتنظيم الذى فرضه على القوات المسلحة
انشأ عزت بيجوفيتش الاكاديمية العسكرية فى سراييفوا لتخريج قيادات ميدانية على مستوى رفيع ، لم تقتصر مناهجها على الدراسات العسكرية والتدريب، وانما اشتملت على برامج تربوية دينية واخلاقية ، وكان بيجوفيتش رغم همومه وعظم مسئولياته ومشاغله حريصا على ان يحاضر فى الاكاديمية موضحا لضباطة خطورة مسئوليتهم ، وضرورة التمييز بين المدنيين والابرياء من صرب البوسنة وان لا يؤخذ الابرياء بذنوب المجرمين ، وكان يؤكد لهم ان يتصرفوا دائما باعتبارهم جيش الشعب كله؛ مسلمين وارثوذكس وكاثوليك بلا استثناء ولا تفرقة ، كانت نصيحتة المتكررة لضباطه ان لا يقتلوا مدنيا او يمثلوا بجثة او يجهزوا على اسير مجروح وان لا يمارسوا العقوبات الجماعية وان لا يحرقوا البيوت او الزرع كما يفعل الصرب ، وان لا يقتلوا الحيوانات ولا يروعوا راهبا فى ديره ولا امراة فى بيتها. ولم يتوقف جهد عزت بيجوفيتش عند حدود النصيحة لكنه وضع نظاما للمتابعة ومحاسبة افراد القوات المسلحة على اى انتهاكات تصدر منهم. لذلك كلة لم يكن مستغربا ان تظل ايدى البوشناق نظيفة لم تلوثها دماء الابرياء طوال فترة الحرب التى اقتربت من اربعة اعوام . كان الصرب يدكون المساجد ويهدمونها على المصلين فى الوقت الذى كان هناك جنود من المسلمين يحرسون الكنائس فلم يصبها اذى
تدخل الولايات المتحدة: كانت الولايات التحدة – منذ بداية الصراع اليوغسلافى – تحاول ان تنأى بنفسها عن التدخل ، بحجة انه شأن اوروبى وعلى اوروبا ان تجد له حلا ، ولكنها تحققت مع الوقت – ان اوروبا لم تكن مؤهلة للقيام بهذا الدور بل اسهمت بتعاقسها احيانا وبتواطئها مع العدوان الصربى احيانا اخرى فى تردى الاوضاع فى فى البوسنة وفى استمرار المذابح فى مشهد يومى فاضح امام العالم لاكثر من ثلاث سنوات ، لذلك لم تجد الولايات المتحدة مفرا من التدخل وأخذ زمام المبادرة فى يدها ، وتولى(ريتشارد هولبروك) مهمة التقريب بين وجهات النظر، بعد ان اظهر حلف الاطلنطى جديته فى ضرب القوات الصربية واجبارها على فك الحصار عن سراييفو.. وتمخضت اتفاقية دايتون للسلام عن مولد هلامى المعالم يحفظ من الناحية النظرية وحدة اراضى البوسنة ، ولكنه يجمع ثلاث كيانات: جمهورية صرب البوسنة وفيدرالية تجمع البوشناق والكروات ومجلس رئاسة يضم الثلاثة . ومن الناحية العملية حصل صرب البوسنة على 49% من اراضى البوسنة وبقى للفيدرالية 51% من هذه الاراضى
لم يكن بيجوفيتش سعيدا بهذه النتيجة المجحفة ولكنة على الاقل توصل الى امرين بالغى الاهمية : وقف حمام الدم النازف الذى يتعرض لة شعبه ، والحفاظ على وحدة اراضى البوسنة ، ورأى ان امكانيات شعبة وظروف اللحظة الراهنة يمكن ان تتغير فى المستقبل القريب بحيث تلتئم اشلاء البوسنة وتعود الى سابق وحدتها التاريخية دولة ديموقراطية متعددة الاديان والقوميات . وبعد توقيع اتفاقية دايتون وقف كل من الرئيسين ميلوسفيتش وتوجمان فشكرا كلينتون فى سعادة ظاهرة امام عدسات التلفاز اما بيجوفيتش فلم يشكر احدا ولكنه وجه خطابه مباشرة الى شعب البوسنة فقال: "لم يكن الاتفاق عادلا بالنسبة للبوسنة ولكن الله يشهد اننا بذلنا كل ما فى وسعنا من جهد للوصول الى تسوية عادلة ". هذا الشعور بالمرارة صبغ حديث ميجوفيتش كلما سئل عن رأيه فى اتفاقية دايتون . ووصف هذاى الموقف بانة (المذاق المر للسلام). اما فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية ، فقد تبين ان امريكا واوروبا قد نشطت بقوة فى تنفيذ الشق العسكرى والامنى لضمان وقف الحرب وتأمين وجود قوات حلف شمال الاطلنطى والادارة الاجنبية على ارض البوسنة ، اما الشق المدنى من الاتفاقية الذى يشتمل على اعادة اعمار البوسنة واعادة اللاجئين الى ديارهم والقبض على مجرمى الحرب وتقديمهم الى المحاكمة فى لاهاى فلم يتحقق منة شئ يذكر, فلقد كانت الاشارات تصل بيجوفيتش واضحة بأنه طالما بقى فى قيادة شعب البوسنة فلن يكون هناك اعمار ولا عودة للاجئين المسلمين الى ديارهم لذلك آثر الرجل مصالح بلاده وضحى بالسلطة وحمد الله انة تخفف من مسؤولية ارهقته وتركت بصماتها قاسية على قلبه وصحته وحياته
:بيغوفيتش فكريا
بيجوفيتش طراز نادر فريد من البشر .. ونموذج حى لاستثمار الوقت واستثمار القدرات و المواهب التى أودعها الله فيه .. فهو لم يتوقف لحظة من حياته دون عمل نافع حتى وهو فى السجن يقضى عقوبة عن جرائم لم يرتكبها ( سوى أنه فيلسوف ومفكر إسلامى مناضل عنيد) ففى السجن كتب أحد أبدع أعماله بعنوان: (فرار إلى الحرية) سطّرها فى بضعة آلاف من الصفحات .. أودع فيها أعمق تأملاتة فى الحياة والفن والفلسفة والدين والسياسة والأخلاق .. وأعاد النظر فى قراءاته السابقة ، وتقييمه للشخصيات والمواقف التى مرت به فى حياته ... وقد كان بيغوفيتش صاحب اجتهادات مهمة فى تفسير ظاهرة الإنسان فى كل تركيبيتها. وهذه التركيبية، المرتبطة تمام الارتباط بثنائية الإنسان والطبيعة، هى نقطة انطلاقه والركيزة الأساسية لنظامه الفلسفى. تجدر الاشارة إلى أنه ليس "مجتهدًا" وحسب، وإنما هو "مجاهد" أيضًا، فهو مفكر ورئيس دولة، يحلل الحضارة الغربية ويبيَّن النموذج المعرفى المادى العدمى الكامن فى علومها وفى نموذجها المهيمن، ثم يتصدى لها ويقاوم محاولتها إبادة شعبه. ولكنه فى ذات الوقت يستفيد من اجتهادات المفكرين الغربيين المدافعين عن الإنسان، ولعل إيمانه بالإنسان (الذى ينبع من إيمانه بالله وإدراكه لثنائية الطبيعة البشرية) هو الذى شد من أزره إلى أن كتب الله له ولشعبه النجاة، وهو الذى مكنه من أن يلعب هذا الدور المزدوج... دور المجاهد والمجتهد، ودور الفارس والراهب
وفى لقاء مع مندوب صحيفة (تشيرن) الألمانية فى 5 نوفمبر 1994 سأله الصحفى: "السيد الرئيس أنت معروف كمسلم حريص على التقاليد الأوربية والتسامح الأوربى .. والمنفتح على العالم بأسره .. ولكن هناك تقارير فى الصحافة الأوربية تقول إن هناك الآن أسلمة جارية فى البوسنة والهرسك ... فهل هذه مجرد شائعات.. ؟ .. يجيب بيجوفيتش: سوف أكون معك شديد الصراحة وأقول لك: لا ليست هذه شائعات بل حقيقة .. فالعودة إلى الدين أصبحت ظاهرة عالمية فى كل مكان تمكّن الشيوعيين فيه من قمع الدين، على مدى خمسين إلى سبعين سنة ماضية .. نعم هناك أسلمة فى البوسنة كما تسميها .. وهى صحوة إسلامية ولكن هناك فى البوسنة بنفس القدر صحوة أرثوذكسية وصحوة كاثوليكية .. والفرق أن عودة المسيحيين الى دينهم لم تلفت نظر أوروبا المسيحية .. وهذا أمر أفهمه ولا ألومها عليه .. ولكننى أود فقط أن اصحّحك فى نقطة واحدة وهى أن تسامحى الذى تتحدث عنه ليس مرده إلى كونى أوروبى وإنما مصدره الأصيل هو الإسلام .. فإذا كنتُ متسامحا حقا كما تقول فذلك لأننى أولا وقبل كل شئ مسلم ثم بعد ذلك أوروبي .. وينتهي علي عزت إلى نظرية بالغة الأهمية حيث يرى أن جميع نجاحاتنا وإخفاقاتنا في الأخلاق والسياسة إنما هي مجرد انعكاس لفهمنا للإسلام وللكيفية التي طبقناه بها في الحياة: "لقد كان ضعف تأثير الإسلام في الحياة العملية للمسلمين مصحوباً دائماً بانحطاطهم وانحطاط مؤسساتهم السياسية والاجتماعية .. وتاريخ الإسلام كله منذ بدايته إلى يومنا هذا يؤكد هذا التطابق .. كأن هذا التطابق هو المصير الذي لا مناص منه للشعوب المسلمة .. وأحد قوانين التاريخ الإسلامي نفسه
يؤكد علي عزت أن القرآن "هو الفكرة المركزية في الأيديولوجية الإسلامية والممارسة الإسلامية" ويرى أن إشكالية القرآن في المجتمعات المسلمة ترجع إلى أن هذه المجتمعات تتعلق به تعلقاً عاطفياً ولكنها لا تستطيع تطبيقه في حياتها .. وهنا يكمن الفصام بين الكلمة والفعل في العالم المسلم .. وينسب ظواهر الفساد والانحراف والسطحية والتنطع والتخلف جميعاً إلى هذا التناقض الأساسي بين حماسنا المشتعل تجاه القرآن وبين الإهمال الكامل لمبادئه في الممارسة العملية
يرى علي عزت ان النظام الاسلامى يقوم على ثلاثة عناصر لا يمكن الاستغناء عنها وهي: الاستقلال والحرية والديمقراطية .. والاستقلال الحقيقي -عنده– هو استقلال روحي وفكري، وعلامة على أن شعباً قد وجد هويته واكتشف قوته الذاتية. وينبه علي عزت إلى حقيقة هامة وهي أنه كلما ابتعد نظام ما عن الإسلام كلما قل دعم الشعب له، ومن ثم يجد النظام نفسه مضطراً للبحث عن دعم خارجي .. فالتبعية التي تغرق فيها هذه النظم ليست إلا نتيجة مباشرة لتوجهاتها المعادية للإسلام .. وتتفاقم الأمور عندما تشعر هذه النظم بالمقاومة والعداء من جانب الشعب، فتلجأ إلى العنف لتمرير سياستها بالقوة. وفي مجال الوحدة الإسلامية يؤكد علي عزت أن الإسلام بطبيعته وروحه أقدر على توحيد الدولة الإسلامية برباط أقوى من روابط المصلحة التي توحّد الدول الأوروبية، فالإسلام لا يقيم الوحدة بين المسلمين على المصالح فقط (هو لا ينكر المصالح) ولكنه يجمع إليها عوامل الوحدة الروحية والمبادئ الأخلاقية والرسالة الإنسانية في إقامة العدل بين البشر .. وتلك هي مهمة (الأمة الإسلامية)، وليس معنى ذلك بالضرورة "الدولة الإسلامية العالمية الواحدة".
:حـول الطاعة و التربية
علّق بيغوفيتش على مقال كتبه صديق له عن تربية الشباب تربية اسلامية وقد لاحظ أن أكثر الكلمات تردداً في هذا المقال هي كلمة "الطاعة" فقال: "أدركت وأنا أقرأ هذا المقال معنى ذلك القول المأثور: ان الطريق إلى جهنم ممهد بالنوايا الحسنة .. كما أدركت جانباً من أسباب تخلّفنا وانحطاطنا في القرون الأخيرة وهو التربية الخاطئة للنشىء .. والحقيقة أننا نربي شبابنا تربية خاطئة منذ قرون وكان هذا ناتجاً من عدم فهمنا للفكر الإسلامي الصحيح..، ففي الوقت الذي كان فيه أعداء الإسلام المستعمرون يبتلعون الدول الإسلامية واحدة بعد الأخرى مدعّمين بعلومهم وغطرستهم واستهتارهم بنا .. كنا نربي أجيالنا على الطاعة العمياء لوليّ الأمر لأن كل سلطة إنما هي قدر من عند الله لا حيلة لنا فيها ولا خيار ..! هكذا شاع عند كثرة من المسلمين (فى عصور الضعف والتخلّف) فهم الآية الكريمة: (قل اللهم مالك الملك تؤتى المُلك من تشاء وتنزع المُلك ممن تشاء) وكأن الأمر الواقع مهما كان ظالما مجحفا فهو قدر إلهي لا ينبغى ان يتصدى له مسلم لتغييره ..!! وكأن الله [حاشاه] يرضى بالظلم والقهر لعباده ..! وكأنه يبارك عمل الخطّافين والسراق وقطاع الطرق الذين إستولوا على السلطة رغم إرادة الناس أو بتزوير إرادتهم .. !! ثم يُقال للناس هذه إرادة الله وقدره .. إن هذه الآية الكريمة العظيمة مثل آيات كثيرة فى القرآن لا تُفهم منعزلة عن بقية النصوص القرآنية الأخرى التى تتناول نفس الموضوع .. وإلا بدا القرآن للناظر إليه (نظرة سطحية) نثارًا ينقض بعضه بعضا .. المشكلة إذن فى طريقة فهمنا لايات القرآن وليس فى القرآن نفسه .. فالذين فهموا الآية على النحو الذى أسلفنا لن يستطيعوا فهم آيات أخرى تدعو إلى الجهاد لدفع الظلم ومحاربة الشرور والمظالم ونشر العدل بين الناس .. هذا الفهم الخاطئ يؤدّى إلى إسقاط حق المسلمين فى الشّورى المُلزمة للحاكم .. وحقّهم فى إختياره أصلاً وفى تنحيته عن السلطة إذا أساء إستخدامها وأفسد حياة الناس وتنكّر لحقوقهم
يتابع على عزت كلامه فيقول : لا أعرف بالضبط مصدر هذه الفلسفة التعيسة للطاعة ، ولكني أعرف على وجه اليقين أن الإسلام ليس مصدرها
:وفاته
لقد لقي ربه يوم ١٩ أكتوبر ٢٠٠٣، عن عمر ناهز الثامنة والسبعين. وقد أعلن راديو البوسنة وفاته، ولم يتمكن مسلمو البوسنة من إعلان الحداد الرسمي عليه، فقد اعترض على ذلك ممثل الصرب في الرئاسة الجماعية، لأن الصرب الحاقدين يعدون الرئيس علي عزت عدوّهم اللدود الذي وقف بدهاء وجرأة وذكاء في وجه أطماعهم في ابتلاع البوسنة والهرسك، من أجل إقامة إمبراطورية صربية طالما حلموا بها
Done By: