(المتحدث الجيد (العدد الثالث
ثالثا : التعبير غير اللفظي
مهما كانت درجة البلاغة فهي لا تضمن قبول الأفكار، وتبقى بحاجة لتدعيم ومساندة من خلال الوضعية العامة للمتحدث وهيئته وجلسته، والسامع على حق في ذلك، لأن الكثير من المصداقية يستمد من انسجام وضعيتنا العامة مع ما نقوله ونبشر به أو نحذر منه.
وفي هذا الموضوع ملاحظات
اولا: دراسات رصدت دور المعطيات غير اللفظية في قبول الكلام والاقتناع به منها دراسة الأستاذ (ألبرت مهرابيان) حول الاتصال المرئي.
وهو يرى أن الرسالة يمكن أن تدرك بثلاث طرق
أ- مرئي باللغة الجسدية تأثيرها %55
ب- صوتي من خلال النغمة ونبرات الصوت ويبلغ تأثيرها %38
جـ- شفهي وهي دلالة اللفظ على المعنى ويبلغ تأثيرها %12
أي أن 93% من التأثير يعود للغة الجسدية ونغمة الصوت، والبعض يرى أن قياس التأثير بهذا الشكل فيه مبالغة إلى حد كبير.
ثانيا: حين يرتاح الناس لوضعية شخص يبدؤون البحث عن الإيجابيات فيشخصيته. وحين يعجبون به يتلمسوه فيه العناصر التي منحته الجاذبية، وحين يحدث شيء من هذا ذاك تكتسب كلماته دلالات أكثر لمعاناً وأشد كثافة. وبداية الطريق ترك انطباع إيجابي لدى المستمعين.
ثالثا: من المهم الاعتدال في الحركة أثناء الخطبة والمحاضرة والحوار. فقلة الحركة قد تعبر عن التمكن من الموضوع وعن الرزانة، لكن قد يدخل فيها شيء من الكبر والعجب. وكان القدماء يعيبون على الخطيب الحركة. أما حالياً فتعد بعض الحركة المعتدلة (دون الإفراط الذي يجعل الخطيب كالمهرج) مقبولة كي لا يبقى المتحدث كالمومياء دون روح. وهذا يعود تقديره إلى الاجتهاد الشخصي.
رابعا: بوصف اللغة ناقلاً غير جيد فمما يحسن أداءها قرن الإشارة ببعض مفرداتها وجملها. مع المحافظة على القاعدة العامة، وهي عدم الإكثار من الإشارة حتى لا يتشتت ذهن السامع وينصرف انتباهه. ولتكن الإشارة براحة الكف لا بالأصابع.
خامسا: للنظر أهمية كبيرة في توضيح المعاني وإيصال الرسائل إلى السامعين. فالعين مرآة الروح، وهي هامة للتفاعل بين المتسامرين والمتخاصمين. فنحن عندما نرتاح لشخص ننظر إليه مدة تصل إلى 70% من وقت الخطاب، وعند الإعراض تقل هذه المدة عن 40%. ومن المهم للمتحدث ألا يتحيز بنظره نحو جهة من المجلس أو يديم نظره إلى شخص أو مجموعة من المتفاعلين معه.
سادسا: للوصول إلى أفضل تواصل وتفاعل مع من نتحدث إليهم فنحن بحاجة إلى انسجام انفعالاتنا وعواطفنا مع الكلمات التي نلقيها. فالناس يهتمون بمعرفة موقف المتكلم مما يقول ومدى قناعته به. ففي الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا خطب احمرت عينه، وعلا صوته، واشتد عضبه حتى كأنه منذر جيش . . . .).
ويخضع انفعال المتحدث لأمرين هامين هما الموقف والموضوع. فالعاطفة مهمة في الخطب الجماهيرية. أما عند الحديث عن قضية فقهية أو علمية، أو شرح مشكلة حضارية فإن الأسلوب الأكثر ملاءمة هو الهدوء وتحييد العواطف والبعد عن المحسنات اللفظية. فرفع الصوت والانفعال الزائد أمور غير محبذة اليوم، في حين أن الابتسامة والاستبشار والبشاشة مطلوبة.
رابعا : ثقافة المتحدث
إن العامل الأساسي في نجاح المتحدث وتأثيره ما يملكه من معلومات ومعارف عميقة ودقيقة وشاملة حول الموضوع الذي يتحدث فيه، لأن ثورة الاتصالات جعلت الناسي يتجاوزون الكلمات الرنانة إذا لم ترتكز على معطيات علمية موثوقة.
وفي ظل الانفجار المعلوماتي حدث أمران هامان
أ- توفر كمية هائلة من المعلومات في كل مجال وكل اتجاه وعلى كل مستوى.
ب- ارتقاء معارف الناس بفنون القول وأشكال الخطاب من خلال الاطلاع والمقارنة.
والمتحدث الجيد بحاجة لزيادة معارفه على صعيدين: مستوى الخلفية الثقافية، ومستوى الإلمام بالموضوع الذي يطرقه، وهذا يحتاج جهداً ومثابرة وتنقلاً ما بين ربوع المعرفة المختلفة.
وهو بحاجة لتعميق معرفته في ثلاثة حقول:
الثقافة الشرعية، والثقافة العامة، والثقافة المتخصصة.
وعلى مستوى الإلمام بالموضوعات هناك ملاحظات :
أ- أن يعرف المتحدث على نحو دقيق عن أي شيء يريد أن يتحدث. ولا ينتقل من موضوع إلى موضوع مسبباً الارتباك لسامعيه.
ب- ما يمكن أن يكون موضوعاً لخطبة الجمعة يفوق الحصر. لذلك من المهم معرفة اختيار الموضوع الأكثر ملاءمة والأكثر أهمية وقت الحديث.
دكتور عبدالكريم بكار
من كتاب المتحدث الجيد
Prepared By: