(المتحدث الجيد (العدد الثاني
ثانيا : صفات الشخصية
في الحالة المثالية يأخذ الناس من المتحدث ما يريدون من خلال ما يسمعون، ويحددون موقفهم من كلامه لا منه. لكن التعامل لا يتم على هذا الأساس من الموضوعية الكاملة دائماً. وباعتبار اللغة ناقل غير كفء للمعاني،فإن الجمهور يعوض النقص في المعاني عبر تلمس وضعية المتكلم والإشارات التي يمكن أن يبعث بها.
وأهم هذه الأمور التي تؤثر في فهم الجمهور
اولا: سرعة البديهة :هي سرعة إدراك ما يتطلبه العارض الطارئ من رد فعل مناسب، كاعتراض مستمع أوانقطاع التيار أو توقف مكبرات الصوت، مما يحتاج تصرفاً ذكياً من المتحدث، وقد يكون السكوت أو التجاهل هو الحل الأمثل إذا لم يعثر الخطيب أو المحاضر على الكلمات التي تسعفه على نحو جيد وصحيح.
ثانيا: من السمات المؤثرة الحماس لما يقول وتعاطفه مع الأفكار التي يطرحها والقضية التي يعمل على إقناع الناس بها. إن برودة العاطفة تتجلى مهما حاول الخطيب إخفاءها، أما صدق العاطفة فيأتي من اعتقاد المتحدث بأهمية ما يدعو إليه وخطورة عدم التجاوب معه. مع الانتباه ألا تجاوز الحماسة حدودها إلى المبالغة وتجاوز الحقيقة.
ثالثا: حسن المظهر عامل من عوامل تأثير المتحدث في عقول سامعيه ونفوسهم. إن نظافة وأناقة وتناسق الثياب تعزز ثقة الإنسان بنفسه. وأكثر الناس يقتنعون بالفكرة إذا اقتنعوا بمن يوردها. فالمضمون العظيم قد يرفض إذا قدم بشكل مزر. وحضارة اليوم حضارة صورة وشكل وتنظيم، ويجب مراعاة هذه الوضعية وأخذها بعين الاعتبار.
رابعا: يحب الناس الوضوح، ويحبون معرفة الخلفية الثقافية والأسرية والمعيشية للذين يوجهونهم ويعلمونهم. وهذا يقتضي الشفافية مع إبقاء أمور ضمن الخصوصيات التي لا يطلع عليها أحد، لكن دون مبالغة في التكتم. ويمكن للداعية أن يتحدث عن بعض تجاربه الشخصية وبعض نجاحاته وإخفاقاته وبعض ظنونه وأوهامه، وليمارس النقد الذاتي.
خامسا: يحتاج المتحدث الناجح إلى أن يكون قريباً ممن يحدثهم مقبولاً لديهم. وإلا فإن بلاغة ألفاظه وجودة إلقائه قد لا تزيده منهم إلا بعداً.
وأهم ما يحقق ذلك انسجام ما يقول مع المعروف من مواقفه. ومن المفيد استخدام الضمائر الدالة على المتكلم عوضاً عن الضمائر الدالة على المخاطبين، فيقول (نحن مقصرون) عوضاً عن (أنتم مقصرون) مع مراعاة أصول اللياقة والمجاملة، واستخدام التلميح أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا . . . ).
ومن المهم ألا يتناول قضايا ومشاكل بالاستقصاء التام والدقيق، في خطبة ليست حلقة دراسية.
ومما يباعد المتحدث عن سامعيه الكبر، ومن المفيد التحبب للأشخاص بمناداتهم بأسمائهم، وإلقاء السلام عليهم.
سادسا: جهارة الصوت ورخامته من نعم الله، وعلى المتحدث أن يعرف كيف يستفيد منها في استمالة مستمعيه والتأثير فيهم.
وذلك لأن
أ- الكلمات ناقل رئيسي للدلالات والمعاني، لكنها ليست العامل الحاسم. وتشير الدراسات إلى أن نغمة الصوت والمظهر الخارجي للشخص تساهم في 90% من الانطباع المتكون، وأن نغمة الصوت وقوته وحدته سرعته لها تأُثير يصل إلى 35% من تفسير الآخرين لما نقول.
ب- التأكد دائماً من ملاءمة الصوت للسامعين، فالصوت المرتفع مزعج ومؤذ، والصوت المنخفض يحرم البعيدين عن المحاضر سماعه والاستفادة منه.
وهناك حاجة لتغيير وتبديل طبقة الصوت من أجل دفع السأم والملل، وحسب المكان فالمكان المفتوح يحتاج صوتاً أكثر ارتفاعاً من المغلق.
جـ- والمهم هو الموازنة بين السرعة البطء في الكلام. فالسرعة الزائدة تجعل الناس لا يستوعبون الرسالة، والبطء يجعلهم يملون ويشردون.
وفي حين أن المتحدث في الفضائيات يحتاج للسرعة والجنوح للجمل القصيرة.
د- من المهم الاهتمام بمواطن الوقف أثناء الكلام لمساعدة المستمع على الفهم. والوقفات القصيرة بين الكلمات تحدث تأثيراً بالغاً إذا أحسن اختيار أماكن الوقف.
... يُتبع
د.عبدالكريم بكار
من كتاب /المتحدث الجيد
Prepared By: